Unboxing Geeks

التكنولوجيا

العزلة أم الروابط الهادفة: إلى أين تقودنا التكنولوجيا؟

إعداد محمد عزات الطعاني، خبير ومستشار في مجال الاتصالات.

في شهر مايو الماضي، توقف قطاع الترفيه في الولايات المتحدة الأمريكية مع قيام المؤلفين والكتّاب بأول إضراب لهم منذ أكثر من ستين عاماً، حيث هدّدوا بإخضاع هوليوود والتأثير عليها، وقد كان السبب الذي دفع الكتّاب إلى القيام بهذا الاحتجاج واضحاً وجليا: إنه إدخال التكنولوجيا عبر نماذج لغوية قوية للذكاء الاصطناعي التوليدي مثل “بارد” Bard من “جوجل” Google وروبوت المحادثة “تشات جي بي تي” ChatGPT المطور من ” أوبن إيه آي” OpenAI، والتي ساهمت في تمكين أي شخص من تجميع نص تم إنشاؤه أو توليده بواسطة الذكاء الاصطناعي بأقل جهد.

Mohammad Al Taani
محمد عزات الطعاني، خبير ومستشار في مجال الاتصالات

وبعد شهرين من ذلك، انضم الممثلون في هوليوود إلى الإضراب، مما أدى إلى واحدة من أهم المواجهات المهنية في تاريخ هوليوود منذ عقود، حيث أنهم شعروا بالقلق من أن حياتهم المهنية قد أصبحت معرضة للخطر أيضاً نظراً لأن الذكاء الاصطناعي قادر تماماً على تقليد التعبيرات البشرية وعكسها على الشاشة؛ وبالنظر إلى وتيرةلتقدم التكنولوجيا فقد نكون، على الأقل ليس في الوقت الحالي، على بعد بضع سنوات فقط من النصوص العالية الجودة التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، ونسخ عن شخصيات طبق الأصل عن الممثلين الذين يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي.

ووفقاً لما ذكرته “بي بي سي”، فإنه يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بالفعل لإحياء ذكرى نجوم الأفلام المتوفين، وقد تم اختيار أسطورة السينما الأمريكية “جيمس دين”، الذي توفي في حادث سيارة مأساوي عام 1955 بعد ظهوره في ثلاثة أفلام فقط، ليكون بطل فيلم قادم يحمل عنوان “العودة إلى عدن” Back to Eden؛ فمن خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي المشابهة لتلك المستخدمة لإنتاج التزييف العميق، سيتم استبدال الممثل بنسخة رقمية طبق الأصل يمكنها التحرك والتحدث والتفاعل مع الممثلين الآخرين في الفيلم. فهل سيكون “جيمس دين” مسروراً في حال رأى شخصيته هذه؟

التكنولوجيا

والآن، لنتذكر معاً المشهد المذهل في فيلم “ذا ماتريكس” The Matrix، حيث يتم في هذا المشهد تمثيل القطعتين الزرقاء والحمراء على أنهما: إما الاستمرار في الوجود في العالم الافتراضي أو تبني الواقع المؤلم، ولكنه النابض بالحياة. إذا أطلقنا على الأشياء أسماءها الحقيقية، وإذا قمنا بالوصل بين جميع النقاط حتى تصبح الصورة أكثر وضوحاً، فإن السؤال الحتمي الذي يطرح نفسه: هل هذا هو مستقبل البشرية المحدد مسبقاً؟ أم هل أن التكنولوجيا نعمة أم نقمة؟

اسمحوا لي أيضاً أن ألقي بعض الضوء على حقيقة أخرى، وهي أن إجمالي عدد الوافدين المقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة يبلغ حوالي 9 ملايين نسمة، وهؤلاء هم الأشخاص الذين تركوا بلدانهم وسافروا إلى الخارج لضمان مستقبل أفضل لأنفسهم ولعائلاتهم، ولذلك فإن هؤلاء قد يكون لهم الكلمة الفصل حول كيف ساهمت التكنولوجيا في تحسين حياتهم وساعدتهم على التعبير عن حبهم ومشاعرهم لأفراد عائلاتهم في أوطانهم.

إذا، هل التكنولوجيا صديقة أم عدوّ؟

AI 1

مما لا شك فيه أن التكنولوجيا تجعل المغتربين أقرب من أي وقت مضى إلى عائلاتهم على الرغم من تواجدهم بعيداً عن بعضهم البعض، إلا أن دفء علاقاتهم العائلية يمكن أن يتخطى الحدود والآفاق وذلك من خلال تطبيقات الاتصال مثل “إيمو” imo الذي تتيح لهم سماع أصوات أحبائهم ورؤية وجوههم المبتسمة، وكأنهم عبروا آلاف الأميال.

وخلال إحدى المقابلات، تم توجيه سؤال إلى “تيم كوك”، الرئيس التنفيذي لشركة “أبل” Apple، فيما إذا كان هناك أية مخاوف من أن النظارات الجديدة لشركة “أبل فيجن برو” (Apple Vision Pro) ستزيد من عزلة الناس؟ أعرب كوك ببساطة عن اعتقاده بأن التكنولوجيا ستساعد الناس على الاتصال والتواصل بشكل أفضل. ومع ذلك، فإن هذا الاعتقاد لا يزيل تماماً الشكوك التي تلوح في الأفق حول التكنولوجيا التي تطمس الحدود بين العالمين الافتراضي والحقيقي.

واليوم، يقوم غالبية السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالوصول إلى الإنترنت عبر أجهزتهم المحمولة، حيث تتصدر البحرين المنطقة بمعدل انتشار يتجاوز 97%. ويعتبر معدل انتشار الهواتف الذكية هذا هو الأعلى في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تجاوز معدل انتشار الهواتف الذكية في الإمارات العربية المتحدة 96% في عام 2023؛ لكن الجانب الآخر من المعادلة يعطينا توقعات قاتمة بشأن الاستخدام المتزايد للهواتف الذكية.

وقد كشف استطلاع أجراه موقع data.ai  بأن المستخدمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يقضون مزيداً من أوقاتهم أمام شاشات هواتفهم، والجدير بالذكر أن الوقت الذي يقضيه المستخدمون في المملكة العربية السعودية يصل يومياً إلى 5.5 ساعة، بدءاً من الألعاب الإلكترونية الغامرة بشكل متزايد، وصولاً إلى منصات إنشاء وبث مقاطع الفيديو القصيرة سريعة الانتشار، حيث يستهلك جميعها أوقات المستخدمين ويجذب اهتمامهم ويحولها إلى أرباح.

وإذا تذكرنا أن كل شخص ليس لديه إلا 24 ساعة فقط في اليوم، فكلما طالت فترة بقائه في الفضاء الإلكتروني، قل الوقت الذي ينبغي عليه مشاركته مع الأصدقاء والعائلة في العالم الحقيقي. وعليه فانه حتى الشخص الذي لديه تفاؤل مفرط قد يتساءل فيما إذا كانت التكنولوجيا تجلب لنا العزلة أم التواصل.

لقد غيرت الحياة البشرية مسارها مرات عديدة، إلا أن هذا التغيير لم يكن يعبر في جوهره عن الخير أو الشر، بل كان يعتمد على ما نرغب في تحقيقه، نحن البشر، من خلال الاختراع والإبداع والحضارة. وعلى نحو مشابه، فإن التكنولوجيا الحديثة لا تؤدي حتماً إلى العزلة، في حال استخدمت بشكل معقول، بل يمكن أن تتيح لنا طرقاً لا مثيل لها أيضاً للتواصل الفعال وتبشر ببدء عصر جديد لنا وللأجيال القادمة.

ومما لا شك فيه أن للازدهار المستمر في قطاع التكنولوجيا والاتصالات تأثيرات متعددة الأوجه على حياتنا، حيث تجاوز جميع الحدود الجغرافية، وجعل الناس أقرب إلى بعضهم البعض من خلال الترابط الذي لم يكن من الممكن تصوره سابقاً. ونحن كبشر، تميل طبيعتنا إلى سد الفجوات التي تفصلنا عن أحبائنا وأن نكون قريبين منهم بأي طريقة ممكنة، افتراضية كانت أم شخصية.

imo calls

ولذلك تُعد منصات المراسلة الفورية من المظاهر الملموسة لتلك الرغبة في الاتصال، وطالما أننا لا نزال نتوق إلى تشكيل روابط إنسانية حقيقية ودافئة، فإن التكنولوجيا لن تقودنا حتماً إلى العزلة. وسواء كان الأمر يتعلق ببقائنا على اتصال مع الأصدقاء والعائلة ونحن على بعد أميال عن بعضنا البعض، أو بالتعاون مع الزملاء، أو المشاركة في محادثات على المستوى العالمي، فإن تطبيقات مثل “واتساب” WhatsApp و”إيمو” imo تستثمر قوة التكنولوجيا لتعزيز الاتصالات الهادفة.

148

على سبيل المثال، يدمج “إيمو” imo   بين ميزات شاملة ومتكاملة مثل خيار مكالمات الفيديو بدقة “2K HD”، الذي يُعد الأول من نوعه في القطاع والمتوفر مجاناً كلياً. وبفضل الخوارزميات الذكية التي تتنبأ بالتغيرات في الشبكة وتقوم بضبط اعدادات الفيديو بطريقة تكيفية فورية، مع تقليل الضجيج المرئي وتحسين الوضوح الكلي، فإن تجربة مكالمات الفيديو عالية الجودة هذه متاحة للجميع في أي مكان، لا سيما باستخدام “إيمو” imo، الذي يتيح للمستخدمين إدراك وتلمّس المشاعر والتعبيرات الحقيقية لأولئك الذين يتحدثون معهم، بدلاً من الاعتماد على لقطات مشوشة وضعيفة ومنخفضة الدقة لمعرفة ما إذا كانوا يشعرون بالحزن أم أنهم سعداء في الواقع.

إيمو

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للآباء والأمهات الذين يتواجدون بعيداً عن المنزل التواصل الآن مع بقية أفراد عائلاتهم عبر إجراء مكالمات فيديو بدقة “2K HD” وبمثل هذا الوضوح الذي يجعلهم يشعرون وكأنهم متواجدون معهم في نفس الغرفة. وهذا، بالطبع، هو النقيض التام للعزلة. وفضلاً عن ذلك، تشتمل المنصة أيضاً على بعض تقنيات الأمان وحماية الخصوصية المهمة جداً والتي تستهدف جميع الفئات العمرية، بما في ذلك أولئك الذين ليس لديهم قدر كاف من المعرفة التقنية.

imo

وسواء كانت نعمة أم وسيلة محيرة، عزلة أم روابط هادفة؟ الجواب بالطبع لا يكمن فقط في التكنولوجيا، لأنه عندما يمسك عامل مغترب خارج بلده هاتفه ويستخدم “إيمو” imo لإجراء مكالمة فيديو مع عائلته التي تبعد عنه آلاف الأميال، ليخبرهم بأنه على ما يرام ويشاركهم تقلبات حياته، يمكننا القول بأن الجنس البشري قد اختار في نهاية المطاف القطعة الحمراء.