اكتسبت منصة تيك توك شعبية متزايدة خلال السنوات القليلة الماضية كإحدى أكبر وأكثر منصات التواصل الاجتماعي شهرة بين المراهقين والجماهير الأصغر سنًا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك، فهي واحدة من تلك المنصات التي كانت ولا تزال سببًا في مآسي تراجيدية لعدد كبير من العائلات الأجنبية. وهذا نتيجة تأثير المنصة على المجتمعات وثقافاتها بطريقة سلبية وغير مفيدة في معظم الأحوال.
لا يُمكن إنكار التجارب المفيدة التي تقدمها منصة تيك توك عبر مقاطع الفيديو التعليمية التي تلهم المبدعين والفنانين وأصحاب الخبرات من صناع المحتوى لمشاركة أعمالهم مع العالم، فضلاً عن توفير طريقة رائعة في التفاعل والرد على الأسئلة وتحسين الترابط بين الناس بشأن الأشياء التي يحبونها في الحياة.
ومع ذلك، وفقًا لآخر الدراسات، فإن أكثر من 70% من المراهقين يقضون معظم أوقاتهم على منصة تيك توك مقارنةً بأي أنشطة حياتية أخرى قد تكون أكثر نفعًا أو إفادة، بينما يمتلك 40% منهم ما يزيد عن 5 حسابات مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى.
ولأنها تسمح للأشخاص بمشاركة لحظات حياتهم على الإنترنت عبر مقاطع فيديو قصيرة، فقد يسيء الأطفال والمراهقين الهدف والمغزى الحقيقي من وراء تلك الفيديوهات. وبمجرد أن تصبح نشاطًا إدمانيًا، تتحول إلى آلة خطيرة في التأثير سلبًا على حياة الأطفال والمراهقين بسبب تعرضهم المستمر للمحتوى الذي قد يسبب لهم ضررًا جسديًا أو نفسيًا.
- اقرأ أيضًا: حظر تيك توك في نيويورك للموظفين الحكوميين
دعوى جماعية الأولى من نوعها ضد تيك توك في فرنسا
وفي سابقة غريبة من نوعها، ليست جديدة أيضًا، كانت منصة تيك توك سببًا في انتحار طفلين بسن الخامسة عشر من عمرهم بفرنسا، مما دفع العديد من العائلات الفرنسية لتوجيه دعوى قضائية ضد منصة التواصل الاجتماعي والمطالبة بحظرها لخطورتها على الأطفال والشباب في جميع البلدان.
وجهت هذه العائلات أصابع الاتهام نحو تيك توك باعتبارها سببًا رئيسيًا في انتحار أطفالهم نتيجة المحتوى الضار الذي يتعرضون له على مدار الساعة أثناء استخدامهم للمنصة. وبجانب أهالي الضحايا، فلقد تقدم ما يصل إلى 10 عائلات مختلفة في فرنسا برفع دعوى قضائية ضم المنصة بسبب افتقارها إلى الآليات المناسبة التي يجب أن تتولى مسؤولية حظر نشر المحتوى الغير صالح على المراهقين، وعدم التزامها باللوائح التي تضمن حماية الأطفال، وعدم المساهمة في الترويج على الانتحار وإيذاء النفس، كمثال على الفيديوهات التي تشجع على اضطرابات الأكل المفرط.
وقدمت المحامية الفرنسية، لور مارميون، التي تتولى الدعوى القضائية نيابة عن العائلات، بالتحدث إلى إذاعة Franceinfo، مشيرة إلى المخاطر والتهديدات الخطيرة التي تشكلها منصة تيك توك على الأشخاص والعائلات والمجتمعات.
وفي محكمة Creteil الفرنسية، تقدمت لور بطلب لإلزام منصة تيك توك بالمسؤولية القانونية الكاملة عن انتحار الطفلين، باعتبارها منصة استهلاكية تبوح بمحتواها لصغار السن والمراهقين دون فرض أي قيود فعّالة على نوع المحتوى الذي يشاهدونه، وإلزام القائمين على المنصة بالاعتراف بالعيوب الرهيبة التي تعاني منها منصتهم في طريقة عملها.
قد تكون هذه هي الدعوى القضائية الجماعية الأولى من نوعها في أوروبا ضد منصة تيك توك، إذ توحدت جميع العائلات المتضررة من خلال مركز الدعم القضائي للضحايا والأسر، Algos Victima، لمحاسبة القائمين على هذه المنصة، واتخاذ إجراء قانوني صارم بشأنها لحماية أطفالهم، مع تقديم العديد من الأدلة الملموسة التي تدين المنصة لكونها سببًا في انتحار إحدى المراهقات.
هي ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها منصة تيك توك لدعوى قضائية نتيجة فشلها في حماية المراهقين. فلقد تم رفع العديد من الدعاوى القضائية ضد تيك توك في أكثر من 15 ولاية أمريكية حتى أكتوبر الماضي، هذا وبالإضافة إلى الدعاوى المُقدمة ضدها في البرازيل لفشلها في حماية الأطفال بشكل كافِ. ولقد تم حظر المنصة بالفعل في عدد كبير من المؤسسات والشركات الأمريكية، بما في ذلك المصالح الحكومية الرئيسية، مع التحذير بفرض غرامات مالية كبيرة على كل من يتم اتهامه بعدم الالتزام بالقوانين أو استخدامه لهذه المنصة أثناء فترات العمل.
الجدير بالذكر أن شركة ابل تحديث ولأكثر من مرة مع نواب منصة تيك توك لمراجعة التوصيات العمرية المتعلقة بعرض المحتوى لحماية الأطفال وعدم تعريض حياتهم للخطر. وبالرغم من ذلك، فعلى ما يبدو أن القائمين على المنصة لا يكترثون لسلامة الأفراد أو العائلات، ويقع تركيزهم الكامل على كيف يُمكن أن تصبح تيك توك منصة التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة على مستوى العالم.