إن مبادرة الذكاء الاصطناعي الآمن هي خطوة مهمة جدًا لحوكمة التقنية والتأكد من نوايا شركات التكنولوجيا فيما يخص كيفية استخدامها وتسخيرها في المرحلة المقبلة.
عندما أعلنت ابل عن Apple Intelligence المتوقع طرحه على نطاق واسع في وقت ما خلال العام القادم، جعل الذكاء الاصطناعي من شركة سامسونج يبدو وكأنه قزم أمام ذكاء ابل. إن ذكاء ابل يحتوي على عدد من الميزات المثيرة للإعجاب، وهذه ما هي إلا الدفعة الأولى من ميزات الذكاء الاصطناعي التوليدي. وعندما نتخيل الذكاء الاصطناعي بعد بضع أعوام من الآن، فإننا لا نرى إلا وجهه الآخر، ويؤسفني أن أخبركم بأن الوجه الآخر للذكاء الاصطناعي قاتم للغاية.
إن الطفرة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي في عوالم التكنولوجيا بدأت منذ سنوات قليلة جدًا. وبالرغم من جوانبه الإيجابية العديدة، إلا أن ما زلنا نتعلم الفوائد والمخاطر المحتملة لهذه التكنولوجيا. ولكن إذا كان هناك شيء واحد أصبحنا على يقين منه بخصوص الذكاء الاصطناعي، وهو أنه سلاح ذو حدين.
ابل تتعهد بالتزامها الكامل ضمن مبادرة الذكاء الاصطناعي الآمن
إنه لأمر مُخزِ أن نرى العديد من شركات التكنولوجيا تطرد موظفيها وتتخلص من الموارد الشرية والأيدي العاملة واستبدالها بالروبوتات الآلية ونماذج الذكاء الاصطناعي. على الرغم من إنه سيناريو متوقع تمامًا، ولكن من المحزن رؤيته على أرض الواقع. ولكن مخاطر الذكاء الاصطناعي التي تهدد البشرية ليست مقتصرة على استبدال وظائفهم فحسب، ولكن من الممكن أن تصل إلى عواقب كارثية تهدد بقاءه على هذا الكوكب.
وقد ندد العديد من خبراء الذكاء الاصطناعي بمخاوفهم بسبب الاستثمارات الضخمة التي تنفقها كبريات شركات التكنولوجيا لتدريب هذه التقنية على كميات هائلة من البيانات لدرجة قد تسمح له في نهاية المطاف بعدم الاستجابة أو الانصياع للأوامر البشرية. الحل الوحيد لتفادي هذه الكارثة، لن يكون إلا عن طريق حوكمة الذكاء الاصطناعي.
في حين أننا مازلنا ننتظر رؤية تشريعات دستورية ولوائح قانونية من الحكومات لكبح جماح هذه التقنية قبل فوات الأوان، نرى أن هناك استجابة من بعض شركات التكنولوجيا للالتزام بمعايير الأمان والسلامة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي طواعية.
لقد دعت إدارة الرئيس الأمريكية بايدن العديد من الشركات المسؤولة عن تطوير التقنية للمشاركة في التعهد الطوعي لإدارة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. على الرغم من إنه يبدو كمُجرد إجراء روتيني لا يستحق الذكر، إلا أنه من الجيد أن نرى انضمام شركة ابل إلى هذه المبادرة.
هذه خطوة إيجابية جدًا من شركة ابل. فعلى الرغم من إنها ليست شركة متخصصة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، إلا إنها صنعت ضجة كبيرة جدًا في هذا المجال عندما أعلنت عن Apple Intelligence خلال مؤتمر WWDC 24. هذه كانت خطوتها الأولى للدخول إلى هذا العالم، ولن تكون الأخير بالتأكيد.
في الواقع، إن ذكاء ابل “Apple Intelligence” جعل شركة ابل هدفًا سهلاً أمام الهيئات التنظيمية، وسيتعين عليها الالتزام بتعهدها الطوعي لتجنب الدخول في صراعات قانونية على المدى الطويل، خاصة إذا كانت الشركة تهدف إلى تطوير نموذج ذكاء اصطناعي خاص بها.
بخصوص الذكاء الاصطناعي الآمن، فهي عبارة عن مبادرة لبحث شركات التكنولوجيا للتعهد بالشفافية والأمان والاختبار والعديد من الجوانب الأخرى التي تلزمهم جميعًا بتجنب أي ممارسات قد يكون لها أثرًا ضارًا على البشرية، وعدم تطوير أدوات ذكية قد تلحق ضرراً مجتمعيًا في المستقبل. باختصار شديد، لا ترغب الحكومة في التعامل مع سيناريو فظيع مثل فيلم Terminator.
انضمت العديد من الشركات الأخرى إلى ابل وتهدت بالتزامها الكامل ضمن مبادرة الذكاء الاصطناعي الآمن، ومنها OpenAI ومايكروسوفت وجوجل وأمازون. ولكن نظرًا لكونها مبادرة طواعية، فلن تكون هناك أي عواقب على تلك الشركات في حالة انتهاكهم لها. ولكن طالما كانت الهيئات التنظيمية تضع هذه الشركات داخل دائرة الضوء، فلا نستبعد توجيه أي اتهامات أو اتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضدهم.
مازلنا ننتظر رؤية Apple Intelligence بفارغ الصبر، والذي من المتوقع طرحه ربيع العام القادم على هواتف ايفون 15 برو وايفون 16 وأجهزة الايباد وأجهزة كمبيوتر ماك التي تعمل بمعالج M1 أو أي طراز أحدث منه. من الممكن أن يبدأ الطرح لميزات الذكاء الاصطناعي على شكل تدريجي في بعض المناطق دون غيرها قبل أن يتم توسيع مناطق الدعم لتشمل جميع أنحاء العالم.