Unboxing Geeks

بعد زلزال كهرمان مرعش، كيف يقوم العالم الهولندي بتوقع ذلك؟ وماذا قد يحدث في مارس؟

أكتب لكم اليوم بعد انقضاء حوالي ثلاثة أسابيع على الكابوس المرعب الذي عاشه سكان جنوبي وسط تركيا وشمال غرب سوريا وأنا أحدهم في مدينة اللاذقية المنكوبة، وهذا المقال عبارة عن بحث وقراءات نابعة عن خوف وتأثر بالأيام السابقة، مع عدم قدرتي على الكتابة والعمل كما اعتدت في السنوات السابقة. لذلك، ستكون جميع المعلومات التالية دقيقة ومفيدة بإذن الله.

من الواضح في الآونة الأخيرة أن علم الجيولوجيا يشهد تطوراً ملحوظاً بشكلٍ كبير، وحتى أنه من الممكن اعتبار ذلك اكتشافاً لعلم جديد كلياً يساعد على معرفة أسباب الزلازل بطريقة ثانية غير مطروقة من قبل. الجميع يتحدث عن العالم الهولندي فرانك هوغربيتس، والذي أصبح اسمه لامعاً في الأوساط العلمية نتيجة انتشار تغريدة له على مواقع التواصل الاجتماعي قبل زلزال كهرمان مرعش “الهائل” بأيام قليلة فقط، لكن لم ينتبه أحد إلى من تحدث عنه فرانك!

الدكتور صالح محمد عوض

العالم الهولندي أوضح بصريح العبارة أن أبحاثه تعتمد بشكل أساسي على نظرية جديدة تُنسب إلى العالم العراقي الدكتور صالح محمد عوض، والذي قام بتقديم أوراق بحثية وتفاصيل علمية بحتة تُشير إلى ارتباط حركة الكواكب مع حركة القشرة الأرضية، وذلك نتيجة تأثرها بجاذبية الكواكب المجاورة واقترابها من مدار الكرة الأرضية.

لن نتحدث اليوم عن أشخاص بالطبع، فهذا ليس له قيمة تُذكر في الوضع الذي نعيشه حالياً من قلق ورعب حقيقي، بل سوف نركز على الطريقة التي قد يتم فيها فعلاً توقع الزلازل أو على الأقل التوقيت الزمني الذي قد يحمل معه زلزالاً كبيراً!

كيف توقّع العالم الهولندي فرانك هوغربيتس زلزال تركيا وسوريا في كهرمان مرعش؟

العالم الهولندي

بعيداً عن نظريات المؤامرة وبعيداً جداً عن جشع صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، علينا التركيز بشكلٍ أكبر على هذا العلم الجديد الذي قد يكون عبارة عن مفتاح ضائع في علم الجيولوجيا والزلازل بشكلٍ خاص. دعونا لا نركز على الأشخاص بل على القصة ذاتها والطريقة التي يتم التوقع بواسطتها، ولكن قد نضطر إلى ذكر اسم فرانك كثيراً بحكم أنه من يظهر حالياً ويصرّح بهذه النظرية دون تردد.

يقوم العالم الهولندي بعرض مخططات بيانية توضح رسومات مختلفة تتعلق بحركة الكواكب كلٌ على حدى، حيث تظهر بألوان مختلفة من الأخضر الفاتح والبنفسجي، والأخطر بينها يبدو أنه الأحمر. أيضاً مع فروقات بين الخطوط المكتملة أو المتقطعة، حيث يعني كلٌ منها شيئاً مختلفاً. بعضها يشير إلى حركة ومدار الشمس، والبعض الآخر إلى كوكب المشتري والأرض وهكذا.

كما يتضح عبر الصور المرفقة، فإن الحدث الكوكبي الذي ظهر بشكلٍ بارز يوم 6 فبراير الماضي “يوم الزلزال الكبير”، كان اقتراب كوكب المشتري “أكبر كواكب المجموعة الشمسية” من مدار الأرض بشكلٍ كبير، مما أدى إلى تأثر الأرض بالجاذبية الكبيرة الناتجة عن حجم كوكب المشتري الضخم. هذا بدوره عمل على تغيير خطير في سرعة دوران الأرض، مما يسبب انزلاق في القشرة الأرضية وبالأخص الصفائح التكتونية صغيرة الحجم نسبياً، ومنها الصفيحة العربية.

jupiter

لتقريب الفكرة أكثر إلى أذهاننا، علينا تخيل وجودنا في سيارة تمشي بسرعة معينة ونحن بداخلها، وهذه السيارة “الكرة الأرضية” تغيرت سرعتها بشكلٍ مفاجىء. هذا سوف يتسبب بتحركنا “الصفائح التكتونية” في داخل مقصورة السيارة إلى الأمام أو الخلف حسب حركة السيارة بالتباطؤ أو التسارع. هذا ما اعتمد عليه العالم الهولندي بشكلٍ أساسيّ لتوقع الزمن الذي قد يحصل فيه زلزال كبير، ولكنه في الحقيقة قال: “عاجلاً أم آجلاً”، وهو أمر طبيعي نسبةً إلى السجلات التاريخية للمنطقة فيما يخص حركة الصفائح.

ماذا يقول التاريخ عن هذه المنطقة؟

Anatolian plate

الصفيحة العربية التي نعيش فيها تشمل الخليج العربي وبلاد الشام والعراق، وهي صفيحة تكتونية تعتبر صغيرة نسبياً مقارنة مع صفائح أكبر حجماً بكثير مثل الصفيحة الأفريقية أو صفيحة أوراسيا “روسيا والدول المجاورة”. هذه الصفيحة تتحرك بشكلٍ سنوي بحوالي 20 ميلي متر باتجاه الشمال الشرقي، وبالتالي تقوم بالضغط على صفيحة الأناضول منذ عشرات السنين، وهذا يولد ضغطاً وتوتراً على نقاط التلاقي بين الصفيحتين.

بعملية حسابية بسيطة – لكنها قد تكون غير مثالية لأن ذلك يحتاج دراسة وعلم وكلام خبراء – قمت بضرب رقم 20 ملم مع 150 سنة لينتج الرقم 3 أمتار، وهو نفس الرقم الذي تم التصريح عنه حول المسافة التي تحركت فيها صفيحة الأناضول أو عملياً تركيا! لكن في الحقيقة يشير الخبراء إلى تحركها أكثر من ذلك، لماذا؟ هذا هو موضوع اليوم ببساطة.

اندماج “علم الكواكب” مع الجيولوجيا

علم الجيولوجيا التقليدي يعرف أن زلزالاً كبيراً ينتظر هذه المنطقة من فترة كما أشار الدكتور علي العيس قبل أسبوعين بالضبط من زلزال كهرمان مرعش، حيث قال بالحرف: “سأقولها لكم بصراحة، زلزال كبير ينتظر المنطقة”. هذا ليس غريباً بالطبع نسبةً لما تكلمنا به عن تاريخ المنطقة.

ولكن، لماذا تحركت صفيحة الأناضول بأكثر من ثلاثة أمتار؟ الجواب هنا هو كوكب المشتري، حيث قامت جاذبية الكوكب بتسريع عملية انفجار الضغط وتحرير التوتر الحاصل بين الصفيحتين، وذلك عبر تغيير سرعة دوران الأرض مما سبب انزلاق أكبر من المحسوب للصفيحة العربية باتجاه الشمال وحصول زلزال “تصادمي” ضخم.

هذا أصبح من الماضي، لكن ماذا عن القادم في الأسبوع الأول من شهر مارس؟

يبدو أن علم الجيولوجيا يتلقى بعض الصفعات الغير معتاد عليها من رواد النظرية الجديدة، وذلك بسبب الصمت الكبير الذي يحيط بعلماء الجيولوجيا حول “ما قد يحصل تالياً”. لأن تلك النظرية الثورية تشير الآن إلى اقتراب خطر جديد قد يكون أكبر من الذي شهدناه يوم 6 فبراير الماضي، وذلك بسبب اقتراب الشمس إلى الأرض في حدث غير مسبوق منذ فترة طويلة جداً، وهذا يتضح في اليومين السابقين في الساحل السوري مع الأجواء الحارة نسبياً والغير مسبوقة في شهر شباط.

الحديث هنا عن الأسبوع الأول من شهر آذار / مارس الذي قد يكون خطيراً أو “حرجاً” حسب توقعات العالم الهولندي، لكنه لم يحدد أية منطقة قريبة من مركز زلزال كهرمان مرعش، وذلك لأن الطاقة الهائلة هنا قد تحررت وتفجرت بشكلٍ ضخم جداً، وما تزال الهزات الارتدادية تعمل على تفريغ تلك الطاقة حتى اللحظة، حيث تجاوز عدد الهزات “المسجّلة” 10 آلاف هزة، وهذا جيد.

Kahramanmaras

الزلازل التي حصلت في المنطقة تم تسجيلها بقوة 7.8 ريختر بالنسبة لزلزال Kahramanmaras أو كهرمان مرعش المدمر لمدة تجاوزت 30 ثانية، ثم تبعه بعد دقائق زلزال ارتدادي بقوة 6.7 ريختر، وبعده بساعات زلزال آخر بقوة 7.5 ريختر، وأحدث تلك الهزات كان في لواء اسنكدرون بقوة 6.4 ريختر لمدة لم تتجاوز 8 ثوان.

لكنه قام في نهاية مقطع الفيديو بتوضيح الأماكن التي قد يحدث فيها زلزال بقوة 7 أو 8 ريختر حتى، وهي بعيدة عن مناطقنا العربية، حيث أشار إلى الغرب الأمريكي على فالق سان أندريس الذي يثير القلق منذ سنين طويلة، بالإضافة إلى أماكن مثل إندونيسيا واليابان وجزر في الفلبين.

هل توقع الزلازل هو الحل؟

بالطبع لا، لأن ذلك سوف ينتج عنه كوارث وانفجار سكاني ضخم، فهو بالطبع قد ينقذ عشرات الآلاف من الأرواح، لكن لن يكون أحد سعيداً وهو يشاهد منزله ينهار أمام عينيه. هذا لا يكفي أبداً، بل يجب اتباع المنهج الياباني العبقري في هندسة العمارة والبناء، فهم قاموا بالتعايش مع الزلازل منذ فترة طويلة دون خوف أو قلق حتى من زلزال مدمر بقوة 9 ريختر!

الزلزال المذكور هنا قد حدث في عام 2011 بقوة 9.1 ريختر، وهو هائل ومدمر بكل المقاييس، حتى أنه يعتبر من أكبر الزلازل التي سجلت في التاريخ البشري الحديث بعد زلزال تشيلي الكارثي بقوة 9.5 ريختر. المثير للتفاؤل هنا هو عدم تأثر اليابان بشكل كبير جراء ذلك الزلزال بفضل المباني المتينة جداً والتي تمتاز بوجود مخمدات تمتص الصدمة أسفل الأبنية.

Japan 1

الأسلوب الياباني تجاهل تماماً فكرة توقع الزلازل لأنها غير مجدية بسبب أن الكوكب الذي نعيش عليه هو كوكب نشط و “حيّ” ويتحرك باستمرار، لذلك لن يكون مفيداً أن تعرف متى تهدم البيوت، بل من الأفضل أن تقوم ببناء المنازل والمباني الضخمة بشكلٍ مقاوم للزلازل الضخمة التي تتجاوز 9 ريختر حتى.