Unboxing Geeks

ثورة الفوتونات: ذهبية الوثب العالي في الحوسبة الكمومية

في متابعة لمقال سابق عن الثورة الرقمية الجديدة في مجال الحوسبة الكمومية، نتحدث اليوم عن أنسب طريقة “حالياً” لتقديم شرائح معالجة كمومية، والتي تعتمد في أساسها على جزيئات الضوء “الفوتونات”. الطريقة تم طرحها وتجريبها من قبل علماء صينيين، حيث قاموا بتقديم مبدأ “الأفضلية الكمومية” عبر جهاز ضوئي “فوتوني”، ولكن تم تجنب اعتماد هذه الفكرة باعتبارها مجرد حجر أساس في تطوير الحوسبة الكمومية. يعود سبب تراجع العلماء في الصين عن تقديم الحوسبة الكمومية بواسطة الفوتونات لصعوبات بالغة في الصناعة، فضلا عن تكاليف إنتاجية مرتفعة للغاية بسبب الحاجة إلى العديد من الأجهزة المتطورة لتحقيق هذا “الاختراق العلمي”.

خطوة جديدة إلى الحوسبة “الفوتونية”

لم تنتهي التجربة الفوتونية عند علماء الصين، بل امتدت إلى كندا مع فريق Xandau الذي حقق تجربة مشابهة إلى حد ما مع شريحة Borealis، والتي تشبه بشكل هامشي تلك الموجودة في الدراسة الصينية بسبب استخدامها الفوتونات أيضاً بدلا عن الحلقات المعدنية “الموصلات الفائقة” أو الأيونات. ما يميز شريحة Borealis عن تلك الصينية هو قابليتها للبرمجة، حيث أوضح الدكتور الغير مشارك في التجربة دانيال جوست برود، من جامعة فلومينيسي الفيدرالية في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل: “اعتمدت التجارب السابقة عادة على شبكات ثابتة، حيث يتم اعتماد كل مكون بمجرد تصنيعه”.

الحوسبة الكمومية

التجربة الصينية قامت باستخدام شريحة ثابتة غير قابلة للبرمجة، على عكس ما قام به الفريق الكندي مع شريحة Borealis التي “يمكن برمجتها بسهولة”. كما أوضح برود أن مرونة التحكم في الشريحة الجديدة سببه تحديث في لغة التصميم، وهو عبارة عن “مخطط مبتكر يوفر تحكم رائع وإمكانية التوسع والتقلص”. ذلك قام بإعطاء أمل جديد لاكتشاف عالم الحوسبة الكمومية بشكل أكبر، لكون Borealis قد تمثل كمبيوتر فعلي قادر على حل مشاكل متعددة بشكل متكرر، وليس مجرد أداة يمكن استخدامها لمرة واحدة كما حدث سابقا.

  • قام موقع Xandau بتوفير عرض توضيحي باسم Quantum Playground على التخزين السحابي، ويمكن تجريبه عبر هذا الرابط بمجرد تسجيل الدخول.

ركز فريق Xandau على مشكلة تدعى أخذ عينات البوزون الغاوسي أو “Gaussian Boson Sampling”، وهي عبارة عن معيار لتقييم جودة الحوسبة الكمومية. هذا الاختبار صعب جداً حتى بالنسبة للحواسيب الكمومية، لكنه غير ذي تأثير على مشاكل العالم الحقيقي. كما يمكن قياس أداء الذكاء الصناعي عبر لعبة الشطرنج مثلا، فهي تعمل بمثابة حكم غير متحيز لفحص أداء الحوسبة الكمومية. حيث صرح برود أن أخذ عينات البوزون الغاوسي عبارة عن “معيار ذهبي” من نوع ما، فهو “أشبه بمخطط مصمم لإظهار ميزات الأجهزة الكمومية على حاسوب تقليدي”.

عاصفة ذهنية فوتونية!

برق

إعداد الشريحة الكمومية المعتمدة على الفوتونات يمكن تشبيهها بخيمة الرعب في الكرنڤالات، حيث تجد بداخلها بيت زجاجي مليء بالمرايا، ولكن يظهر هنا حالات خاصة من الضوء والفوتونات تدعى “الحالات المضغوطة”، وهي عبارة عن كمية فوتونات مكثفة جداً. يتم نقل تلك الفوتونات المضغوطة عبر نفق داخل الشريحة المرفقة بشبكة من “مقسمات أو فواصل للحزم الضوئية”.

يقوم كل فاصل لتلك الأشعة بالعمل كمرآة شبه عاكسة، وذلك بالاعتماد على كيفية وصول الضوء حيث ينقسم إلى عدة حزم ضوئية أصغر، بعضها ينعكس إلى الخلف والبعض الآخر يتابع طريقه من خلال الفاصل. في نهاية هذا النفق الغريب توجد مجموعة من مستشعرات الفوتونات التي تكشف كمية تلك الحزم الضوئية. كلما زادت كمية الفواصل ضمن النفق، كلما زادت الصعوبة في حساب طريق الفوتون وإلى أي مستشعر سوف يذهب.

الفوتونات

بشكل آخر، تخيل أنك تلعب مع أصدقائك لعبة رمي الأقراص الدائرية المفرغة، لتفوز عليك أن ترمي قرصك ليصيب أحد العيدان العشوائية ليستقر أسفلها، لكن هنا الأقراص هي الفوتونات، والعيدان المرقمة هي المستشعرات، وهذا يوضح طريقة عمل اختبار “أخذ عينات البوزون الغاوسي”. عند النظر إلى الخصائص الكمومية، فإن الاحتمالات الناتجة سوف تنمو بشكل هائل يتفوق بسهولة على أي كمبيوتر “فائق”. يقول الدكتور برود أن هذا معيار ممتاز لأننا نفهم كيفية عمله والنمط الفيزيائي الأساسي له، وأشار إلى أن حتى بضعة مئات من الفوتونات يمكنها التغلب على أي كمبيوتر فائق تقليدي.

صناعة الفرق

في محاولة لتخطي الصعوبات الإنتاجية لشريحة المعالجة الكمومية بواسطة الفوتونات، قام الفريق الكندي بإعادة النظر في شكل الجهاز الكمومي الضوئي، مع تصميم يمتلك 216 كيوبت “Quantum bit”. وبعكس الشكل التقليدي للجهاز “الصيني”، قام التصميم الجديد بحساب الفوتونات ضمن المستقبلات على أساس وقت وصولها بدلا عن اتجاهها ومكان التلقي. الخطوة الفارقة كانت في إدخال حلقات من الألياف الضوئية، وذلك لتأخير وصول الفوتونات حتى تتمكن من الدخول إلى نقاط معينة مهمة لتحقيق الحوسبة الكمومية.

تلك التعديلات قادت إلى تقليل حجم الجهاز وتخفيض سماكته، حيث أصبح بالإمكان تقليص حجم الشبكة التقليدية كبيرة الحجم من فواصل الحزم الضوئية إلى ثلاثة فقط، وهذا أدى إلى إمكانية استيعاب جميع التأخيرات اللازمة لتفاعل الفوتونات والقيام بالحسابات المطلوبة. تصميم حلقات الألياف الضوئية المدخلة، بالإضافة إلى مكونات أخرى “قابلة للبرمجة بسهولة”، حيث يمكن ضبط فاصل الحزم في الوقت الفعلي، مثل كتابة كود برمجي ولكن على مستوى الأجهزة الفيزيائية “الهاردوير”. كما اجتاز فريق Xandau فحصا قياسيا لسلامة النتائج، والذي يثبت صحة البيانات الخارجة من الحوسبة الكمومية.

مستقبل بعيد لكن أقرب مما نتخيل

ألبرت أينشتاين

في الوقت الراهن، لا تزال الدراسات التي تثبت قوة “التفوق الكمومي” نادرة، ولأن أجهزة الكمبيوتر التقليدية تم تطويرها منذ أكثر من نصف قرن، فهي تمتلك أفضلية وأسبقية على الحوسبة الكمومية. لكن هذا قد يتغير في لمح البصر بالرغم من التطور الهائل الحاصل في خوارزميات الذكاء الاصطناعي ضمن أجهزة الكمبيوتر الفائقة، وكذلك تلك التي تعتمد على الحوسبة العصبية. مثل أي صناعة على مر التاريخ، أن تكون الأسرع لا يعني دائما أنك الأفضل، لأن حاجة المستخدم إلى الاستدامة والموثوقية تعد من أهم النقاط التسويقية في أي منتج.

اقتباس

لكن الممتع في متابعة تطور الحوسبة الكمومية، هو أنها قادرة على خلق الفرق في أي لحظة، ومن الصعب جداً استيعاب النقلة الهائلة التي سوف تحصل عند اعتمادها كطريقة موثوقة للحساب. هذا لكونها غير محددة حتى الآن، ومن غير المعروف هول الآفاق التي قد تحدثها في حياتنا اليومية، وهذا يحسب كخطوة ضخمة لفيزياء الكم. معلومة إضافية: أينشتاين لم يحصل على جائزة نوبل للفيزياء بسبب النظرية النسبية، بل حاز عليها بسبب فيزياء الكم التي كان يعارضها بشدة في البداية!