هذا ما تم وصف الإنجاز العلمي الجديد به، والذي يتم من خلاله اكتشاف الموصلات الفائقة بفضل جهود رئيس فريق البحث في جامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا، الأستاذ مظهر علي. البحث الذي تم نشره في مجلة Nature، يتعلق باكتشاف تقنية الموصلات الفائقة أو “Superconductor”، وهي عبارة عن مواد توفر توصيل كهرباء شبه كامل دون خسارة في نسبة الطاقة.
كما يوضح البحث أنه بالإمكان تصنيع الموصلات الفائقة لنقل الطاقة الكهربائية باتجاه واحد فقط، وهو الأمر الذي كان مستحيل سابقا. ذلك قد يسمح بتوفير سرعات نقل عالية جداً، وقد تصل حتى مئات غيغاهرتز، وربما نشهد مصطلح “تيرا هرتز” للمرة الأولى في التاريخ!
- إقرأ أيضاً: الجرافين سوف يجلب الطاقة النظيفة الغير محدودة;
خصائص الموصلات الفائقة “Superconductor”
هي عبارة عن مواد تقوم بنقل التيار الكهربائي دون التأثر بأي من عوامل المقاومة المعروفة. معنى ذلك أنه لا يوجد فقدان للطاقة المنقولة على شكل حرارة مثلا، وذلك بغض النظر حتى عن المسافة المقطوعة بين منبع تلك الإشارة ووجهتها المرجوة. الصادم في التقنية الجديدة، هو أن عدم فقدان الطاقة يمكن تطبيقه حتى إن تم قياسها بالوحدات الفلكية (AUs).
المشكلة التي تواجهها الموصلات الفائقة نظرا لخصائصها، أنه قد يصبح من المستحيل التحكم في تدفق الإلكترونات، وهذا باعتبار انعدام المقاومة على طول المسافة المقطوعة. لذلك، لا يوجد حتى الآن طريقة سهلة لإضافة الإلكترونات والتحكم بكميتها، والتيار يتدفق إلى الأمام والخلف أيضاً.
عادة، يمكن التحكم في تدفق الإلكترونات من خلال نشر المجالات الكهرومغناطيسية، وذلك باعتبارها حدود يمكن التحكم بها. ولكن من الصعب للغاية تصميم تلك المجالات والتحكم بها ونشرها حتى على نطاق “نانومتر” ضمن عمليات التصنيع الحالية، ويعد ذلك مكلف جداً مما قد يشكل مشكلة كبيرة في الانتقال إلى عصر الرقائق الجديد.
الحلول المتوفرة
تم إيجاد حل لذلك، حيث قام العلماء باستبدال المكونات الأساسية في “تقاطعات جوزيفسون” التي تستخدم لكسر تناسق المواد، حيث قاموا بنشر مادة كمومية جديدة تم تعديلها للوصول إلى أقل حجم ممكن منها (بسماكة جزيئات المادة نفسها). قام العلماء بتسمية تلك المادة الجديدة “تقاطعات جوزيفسون الكمومية”، وذلك بالاستناد إلى المادة الكمومية “Nb3Br8”.
فيزيائيا: يعتبر تأثير جوزيفسون أو تقاطعات جوزيفسون ظاهرة تحدث عند وضع موصلين فائقين بشكل متقارب، مع وجود حاجز بينهما. هذا مثال لظاهرة كمومية مجهرية، حيث يمكن ملاحظة تأثيرات ميكانيكا الكم على نطاق عادي، وليس ذري.
مثل مادة الجرافين، فإن Nb3Br8 عبارة عن مادة ذات بعدين فقط “2D”، يمكنها استضافة “صافي ثنائي القطب الكهربائي” – وهو هيكل يسمح بكسر التناظر في الموصلات الفائقة. بفضل هذه المادة، يمكن لفريق البحث التحكم في تدفق الإشارة أو التيار عبر الموصلات الفائقة، وذلك يجبر “فوضى الإلكترونات” على السير في اتجاه “أمامي” دون أي مقاومة، ودون التحرك في اتجاه “خلفي” بالنسبة للإلكترونات الحرة. مثال على ذلك، إن كنت ترتدي ثياب النوم من قماش المخمل، يمكنك المسح بيدك مع اتجاه الألياف القماشية دون الشعور بمقاومة أو خشونة، لكن إن حاولت تكرار العملية بالاتجاه المعاكس، فسوف تشعر بمقاومة متمثلة بخشونة القماش.
صرح مجلس الأبحاث الهولندي “NWO”، أن الكفاءة التي سوف تقدمها الموصلات الفائقة وحدها ستقوم بتخفيض استهلاك الطاقة بنسبة 10% مقارنة بأشباه الموصلات التقليدية. فضلا عن استغلال مصانع الرقائق الضخمة الفرصة بسبب عدم وجود حاجة للتبريد، وذلك لعدم ضياع أي طاقة كهربائية على شكل حرارة. هذا لوحده يعد دفعة ضخمة في الاتجاه الإيجابي بالنسبة للتكاليف الإنتاجية.
عصر الأرقام الضخمة
تعتبر الفرصة التي توفرها الموصلات الفائقة في زيادة الأداء بشكل هائل، أشبه بنقلة نوعية إلى أفق تقنية جديدة كليا، وذلك عند مقارنتها بتقنية أشباه الموصلات المعتمدة حالياً. لأن أشباه الموصلات لا تقدم سوى جزء من التيار الأساسي الموجه بسبب المقاومة الكهربائية للمادة.
حسب تصريحات “علي”، يمكن لهذا الاكتشاف الهائل الجديد أن يعبد الطريق لتطور جذري في صناعة الرقائق حول العالم. يمكن الآن تصنيع التقنيات نفسها التي تم إنتاجها بفضل أشباه الموصلات، ولكن باستخدام الموصلات الفائقة، حيث سوف يتم توفير من 300 إلى 400 مرة من تكاليف التشغيل المطلوبة سابقا، حيث قال: “الفرصة حقيقية وموجودة لجميع القطاعات الصناعية والتقنية حول العالم”.
صرح بعض الباحثين والمختصين، أن المستخدمين العاديين أو حتى “أعتى التقنيين” في مجال الحواسيب الشخصية، لن يتمكنوا من استخدام الحوسبة عبر الموصلات الفائقة في أي وقت قريب، لكن بالطبع هذا قد يتغير مع مرور الوقت ولا يمكن التنبؤ بمستقبل التكنولوجيا بسهولة، وهذا لا يقلل أبداً من قيمة الاكتشاف العلمي الجديد. حيث يتوقعون أن مراكز البيانات الضخمة حول العالم، وأجهزة الكمبيوتر العملاقة سوف تكون أول من يتبنى تقنية الموصلات الفائقة. ولكن مع اندفاع غالبية المستخدمين نحو خدمات التخزين السحابي مثل Windows 365 Cloud OS من مايكروسوفت و الألعاب السحابية، قد يكون هناك تأثير فعلي على البيئة وتجربة المستخدم.
المستقبل
بالطبع ما يزال يوجد الكثير من العمل للقيام به، وتحديدا بالنسبة لبحث ثوري جديد كهذا، وذلك قبل توظيفه بشكل فعال في التكنولوجيا البشرية. حالياً، يركز الباحثون على تقليل الحرارة الناتجة عن التصاميم الجديدة، والهدف النهائي هو تحقيق تقنية الموصلات الفائقة، والتي قد تسمح لثنائيات جوزيفسون بالعمل في درجات حرارة تصل حتى 77 كلڤن أو ناقص 192 درجة مئوية.
تعتبر تلك الحرارة كافية لتبريد النيتروجين السائل، والذي يستخدم حالياً في تحقيق أعلى سرعات أداء في وحدات المعالجة المركزية CPU أو حتى في وحدات معالجة الرسوميات GPU، وذلك بسبب الكفاءة العالية التي يحققها بالنسبة لعملية التبريد.
الأهداف الأخرى التي يجب تحقيقها في كل بحث جديد، هي توسيع نطاق الإنتاج وعدم اقتصاره على التجارب لفترة طويلة. في حين أن عمل الباحثين على الموصلات الفائقة يثبت أنه بالإمكان الاستفادة من هذه التقنية في الأجهزة النانوية. إذا تمكن الفريق من ابتكار طريقة لزيادة إنتاج ثنائيات جوزيفسون لتصل حتى ملايين الوحدات ضمن شريحة نانوية واحدة، فهذا بكل تأكيد سوف يصل بنا إلى مصطلح “تيرا هرتز”، وهذا سوف يجعل من أقوى وحدات المعالجة المركزية الفائقة تبدو ضعيفة جداً. تخيل أن يكون لديك جهاز بشريحة AMD ThreadRipper Pro الجديدة، لكنك تشعر أنك بطيء!